حياة فاطمة المؤلمة
كانت هناك في مكانها المفضل...قابعة تنظر الى الباب...هي دائماهناك...لاتتحرك ولا تقوى على الحركة...عيناها ذابلتان سحقهما السقم...لون محياها تغير الى أبيض ممزوج بأصفر فاقع...جسمها أمسى نحيلا بعد امتلاء...آلة تمتد أمامها تزودها بالاكسجين،بإكسير الحياة...من ينظر الى تلك الآلة يحسبها جزءا من ذلك الجسم الكسيح...آلة تصحبها ليل نهار بأسلاك ممدودة الى أنفها،تزودها بالحياة ولولاها لكانت الممات...رئتيها انكمشتا ولم تعودا تعملان بطريقة صحيحة....كلما نظرت اليها الا وتذكرت سالف أيامها...كيف كانت،وكيف أصبحت..كانت امرأة رائعة الجمال...امرأة تنبض بالحياة...ابتسامتها لاتفارق شفتيها..عيناها دوما ضاحكتان،تشعان أملا ومحبة...رقتها توزعها على كل الناس من حولها بدون حساب
كانت حاضرة دوما لتقديم الخدمة لمن يحتاجها وبالمجان...كانت إنسانة ذات إنسانية من
مستوى رفيع...الكل حولها كان يهتف باسمها:"فاطمة..اين فاطمة؟..أريد فاطمة..من رأى منكم
فاطمة؟"..كانت محبوبة ومرغوبة...محبتها للناس تتسع الأرض بما رحبت...كانت تتألم لالم
الآخرين وتحزن لحزنهم...كانت تتلقى الإساءات بصدر رحب،فتنظر الى السماء وتردد:"الله يهديهم...الله يردهم لطريق الخير"...شاهدتها مرات تبكي بصمت كلما أحست بشيئ من الجفاء...بكاؤها لايكون أمام الآخرين ...كانت تنزوي وتبكي ثم تكفكف دموعها وتخرج ضاحكة...كانت شابة عندما تزوجت عن حب...أنجبت واستمرت الحياة...زوجها أحبها بصدق
فلقد كانت تملأ دنياه حبا وعناية...ربت فيه الضمير،وكان الضمير عنه غائبا...عاشت معه
أحلى أيامها،وعاش معها ما لن يعيشه أبدا بعدها...حب من نوع آخر كان يربط بينهما...هي
أصبحت ضرورة ملحة له،وهو أمسى ضرورة ملحة لها الى أبعد الحدود...هي تحبه،وهو يعشقها
دامت رحلتهما 25 عاما،بدون صراخ بدون أدنى ضجيج
ودارت الأيام ثم دارت...وجاء المرض يسكن رئة الجميلة...مرض تسلل في الظلام واختار أن
يدمر حياة الإنسانة الحنونة...لم تشعر به،ولم تكتشفه الا وهي عالقة بين براثينه ينهش رئتيها
ببطء واصرار...آلامها كانت فظيعة لا تحتمل...صدرها اصبح يضيق يوما بعد يوم...سعالها اشتدت وطأته،وخارت قواها...لم تعد تقوى على حركة او مجهود...أصبحت كسيحة في مكانها
الدائم ،تنام فيه وتستيقظ فيه...أيامها متشابهة في المذاق والمعنى...انها بدون معنى...حتى الشمس افتقدتها،فلم تعد تخرج لتلقاها...التلفاز امسى مؤنس وحدتها،تحملق فيه ليل نهار صباح مساء...ليلها لايأتيها براحة،ونهارها ممتد الساعات يقبل ويدبر...مرضها اضحى حياتها
وكأن الأقدار تنتقم منها...ماذا فعلت المسكينة حتى تتحطم هكذا؟؟..ماذا جنت حتى تصبح حياتها عدم في عدم؟؟...أهذا جزاء من أحسن وعمل صالحا؟؟..لاأنكر اني أبكي كلما رأيتها وهي تصارع
المرض ولاتقوى على دحره...ياأ الله،هب لها قليلا من رحمتك ،خفف آلامها ،وخذ بيدها الى طريق محبتك...فالمسكينة أمست وحيدة تلعق وحدتها...كل الناس انفضوا من حولها...لم يعد يتذكرها أحد...الا الحبيب القريب الذي لازال يرعاها ويؤنس ما تبقى من حياتها...فهي حياته،وهو عمرها