محمد عضو متميز
عدد الرسائل : 111 تاريخ التسجيل : 27/02/2007
| موضوع: عمّـــان (سيدة ولا أبهى..) الجمعة أبريل 17, 2009 1:26 pm | |
|
الكـاتـب :- زكريا النوايسة
في كل مرة أزوركِ يداخلنـي شعور انك سيـدة لا تمل انتظار الفجر ، وتغفو بسكينة حين يهدهدها قرص الشمس وهو يعلن انتصار الليل على النهار، سيدة وقور تغري العيون وتجعل زائرها يتلصص النظر اليها مرة تلو مرة
دخلتك ذات يوم وأنا أعد سنيّ عمري على أصابع يد واحدة ، كنت كائنا قرويا صغيرا تدهشه كل الأشياء ، فهالنـي ما رأيت من حركة لم أعهدها في قريتـي وكنت أتلصص على المشهد من طرف عباءة والدي رحمه الله ،ولعله كان يشعر بخوفـي من هـذا الكـون الجديـد ، فكان كلمـا شعر بحركـة من جسمـي الضئيل ، وضع يده الطيبـة فوق رأسي فتهدأ روحـي وتنزاح وحشة غربتي الجديدة.
بتُّ ليلتي وقد تحولت الى كائن جديد ، وبأحلام ليست كأحلام قريتي ، وليل لا عتم فيه ، وأصوات وضجيج لم نكن نسمعها الا إذا غادر أحدهم دنياه الى الدار الآخرة ،وفي صباحاتها تتعلق عيونـي بالسماء أبحث عن ذلك الجسم المخيف الذي يتبعه صوت يثير في جسمي رعدة لا تخفى على الناظر ، فأنا لي ذكريات غير طيبة عن الطائرة ، فخلال حرب الاستنزاف بين مصر و( اسرائيل ) قامت الطائـرات الاسرائيلية بضرب كتـائب الجيش المصري والسعودي المرابطة في مناطق استراتيجية في المزار ، وكانـت أول مرة أرى فيها رجلا ميتـا ( طيارا اسرائيليا ) أُسقطت طائرته في مواجهة كانت عيوننا شاهدة عليها ، وقد استرقتُ السمع حين كان يتحدث الكبار عن نوع الطائرة فأحدهم يَجزمُ أنها (فانتوم) وآخر يُأكد أنها (ميراج) ، فاختزنت ذاكرتي هذه الصورة السوداء عن الطائرة وصوتها المرعب.
عمـان بحميميتها وحنوّها أحالت خوفي بعد ذلك الى فرح كلما رأيت الطائـرة وهـي تزيد من ضجيـج عمان ضجيـجا،فهـل بعد كل هذا الحب من يقول أن عمـان تكره الناس ؟ فهي مدينـة محبة تُقبِّل بنيها وزائريها كل صبـاح حيـن يستفيقون على جدائـلها الذهبيـة ، وتهدهـد نومهـم وتـزرع في مناماتـهم أحلاما ترسمها لهم على وسائـدهم وترخـي عليهم ستـرها الجميل حتى مطلع الفجر.
عمان كانت كشابة بقوام متناسق تفيض اغراء أنّى قادتـك عيونك ، شوارعها وأزقتها ، حوانيتها ، الضجيج الصباحي للصغار ، أحلام الكبار يركبون أقدامهم كل الى غايته ، مزيج تصنعه عمان كل صباح وتنشره بعد أن تطل شمسها بكل وقار من أفقها الشرقي لتزيـل بقايـا نعاس ،وتثيـر بعض الدفْ في الأجساد المرتعشة .
نعم كانـت عمان كثيرة الابتسام ، بل كانت سيدة الفرح ، حتى حزنها كانـت تداريه عن العيون كيلا تدمع عيـون الصغار ،ولا يبتأس الكبـار أو تجرح به كبرياء الورد الذي يلون شفتيها ووجنتيها.
كبرنا وكبرتْ معنا عمان وترهل الجسد الجميل ، ولكنها بقيت عمان الودودة الحانية التي تبحث عن خُطانا حين نطرق أبوابـها ، وما زال الحزن النبيل ذات الحـزن ،فيا أُمنـا الرائـعة عيوننا لا تصدق أن شبابـك خالطه هذا الشيـب المهيب ، وأنك لم تعدي تلك السيدة التـي تفيض شبابـا وابتسامـا ، ولم يعدْ ذلك البريـق الأخـاذ في عينـك الوادعة . عمـان من سرق منـك رونـقك الجميـل وشالك المقصب بأمانينـا وأهدى لعينيك الدموع .
عمـان ما زلت أحلم بثغرك الذي يفتـرُّ عن ابتسامة ساحرة ، وأُغمض جفني لئلا أرى عينك الدامعة يا عمان يا أمنا الرائعة.
| |
|