ماذا نريد من أمريكا؟
الكاتب : زكريا النوايسة
لا يشك إلا جاهل أو مغفل بدرجة امتياز ،أن العالم من شرقه إلى غربه هو حبيس للرغبات والهوس والنزعة الاستعمارية الأمريكية ، فما نراه ونلمسه ونعيشه من واقع لا يحتاج إلى دليل يدعمه ،فأمريكا تعترف في رابعة النهار أنها دولــة احتـلال ، وأن مصالحهـا الممتــدة على مساحــة الكــرة الأرضيـة كلهـا ،والتي تشكل وجهها الاستعمـاري والعسكري، هـي دافعهـا الأساس لهذا التمدد في كل شبـر ،وما يتـوارى خلف هذا الوجــه القبيـح من ديموقراطيـــة وعلــوم ومدنيــة ، لن يشكل للضحيـة إلا ظلالا باهتة، و يبقـى هذا الوجه أشد تأثيرا في النفس لأن الذاكرة لا يستفزها إلا الألم وأمريكا سيدة من يفرز ويصنع الألم والحزن بكل صوره وأصنافه.
فإذا ما اقتربنا من جواب السؤال: ماذا تريد منا أمريكا ؟ وتيقنّا أن العلاقة مع هذه الدولــة العملاقـــة ،لا يمكن النظر إليـها- في هذه المرحلـــة - إلا من زاويــة المصلحـــة والهدف الأمريــكي ، فإننــا مطالبــون بالاقتــــراب ومحاولة فهم الوجه الآخر للعلاقة ،والتــي يصعب الوقوف على تفاصيلها الدقيقة إلا إذا استطعنا أن نتفق على جواب موضوعي للسؤال الأهم ، ماذا نريد من أمريكا ؟ .
aأمريكا تحتضن إسرائيــل وتعطل أي قـــرار يمس المصلحة الصهيونية وأكثـــر من ذلك تتفنــن بالضغط وممارسـة لعبـــة القهر فيما يجـــري من مفاوضات عبثية لم تفضِِ إلا إلى الهباء ، أمريكا تحتــل العراق وتعبث في الصومال ، وتزرع عيونها حتى في عيوننا ، أمريكا تلوث هوائنا وترابنا ، وتقامر بأحلام أطفالنـــا ، وتنصب فخها لنوايـانا السليمة كيلا يولد فجر أو تتولد على فم رضيع كلمة رفض ، هكذا هي أمريكــا لا تخجل أن تعلن عن نفسهـا على نحو ما تقدم ، ولكن السؤال الذي يبقــى هو الأهــم لمـــا نحن هكذا ؟ ولماذا نعيـــر ألسنتنا للصمت ؟ ونفرض على أنفسنــا سمتـا مقززا نلبس فيه عبــاءة الوقار المصطنـع ونمضغ الكلمات المطاطية ذاتـها التي أوردتنا هزائم القرن الماضي.
أتريــد الشعوب حريتها والانعتاق من القيــد الأمريكي وطـي الصفحــات المؤلمة التي خلفتها أمريكـا من خلال تدخلاتها ومغامراتها العديـــدة ؟ أم تريد القمح الأمريكي ؟ الذي يكون في معظم الأحيان نظير أن ترهن الدول سياساتها وقراراتها وأدق تفاصيل حياتها للقرار الأمريكي، هل نحن بصدد البحث عن علاقـات متوازنــة مع هذه الدولــة العملاق؟ وهل إمكانـاتنـــــا وسياساتنا وفلسفتنـا التربوية تؤهلنا لطرح مفهوم علاقة تقوم على تبـادل المصالح ونبذ مفهوم التبعية الذي هو السمة الأبرز لهذه العلاقة؟ .
فمن غير المقبول أن لا نقف - ولو للحظات – لمراجعـة كيفية وشكل هذه العلاقة ، ورصد مـدى تقبــل الآخـر لأحلامنا المشروعة بالحريــة والعيش بكرامة ، وسيكون حالنـــا بائسا إذا رضينـا من هذا الارتباط بلذة وانتعاش المجاملات التــي يجيــدها الساســـة الأمريكـان ، ولـم تستفزنــا كرامتنـــا المستباحة لمغادرة حظيرة العبودية التي بات العبد يأنف من دخولها ، وما نخشاه أن تستكيــن أنفسنــا إلى الذل الأمريـكي الجميــل ، فينطبق علينا ما ذهب إليــه المفكـر العربــي الكبيــر ( مالك بن نبـي ) بقابليــة بعض البشر للعبودية ، فحالنا اليوم أشد إيلاما من حال عبد يسعى إلى تحطيم قيد سيده وينزع إلى حريته ، في الوقت ذاته نبحث نحن بأنفسنا عن سيد ليستعبدنا.
المصدر موقع الكاتب زكريا النوايسة
http://zakareya.nawiseh.com